فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة نوح:
{يغفر لكم من ذنوبكم} [4] ما سلف منها، أو ما استغفرتموه عنها.
{ويؤخركم إلى أجل مسمى} [4] في الدنيا.
{إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر} [4] أي: يوم القيامة. وقيل: إن الأجل الأول الموت، والثاني: العذاب.
{واستغشوا ثيابهم} [7] تغطوا بها، وقالوا لا ننظر إليك ولا نسمع منك.
{ثم إني دعوتهم جهارا} [8] دعاهم على ضروب من الدعاء، دعاهم فوضى متفرقين بددا، ودعاهم سرا فرادى، ودعاهم جهرا مجتمعين في المحافل، والمقامات المشهودة. {أطوارا} [14] تارات: نطفة ثم علقة، ثم مضغة، ثم رضيعا، ثم طفلا، ثم يافعا مترعرعا، ثم شابا، ثم سويا قويا، ثم شيخا كبيرا، ثم هما فانيا، ثم هدما باليا.
{وجعل القمر فيهن نورا} [16] قال ابن عباس: أحد وجهيه يضيء لأهل الأرض، والثاني لأهل السماء.
{وجعل الشمس سراجا} [16] فيه إشارة إلى أن نور القمر من الشمس مكتسب، حيث جعل الشمس بمنزلة نفس السراج، والقمر بمنزلة ضوئه ونوره.
{والله أنبتكم من الأرض} [17] جعل أصلكم من الطين، وغذاكم بما ينبته الأرض.
{ديارا} [26] أي: أحدا يدور في الأرض، فيعال من الدوران.
تمت سورة نوح. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة نوح عليه السلام:
{مّا لكُمْ لا ترْجُون لِلّهِ وقارا}
قال: {مّا لكُمْ لا ترْجُون لِلّهِ وقارا} أيْ: لا تخافُون للهِ عظمة. و(الرّجاءُ) ها هنا خوْفٌ و(الوقارُ) عظمةٌ. وقال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد الثاني والسبعون بعد المئتين:
إِذا لسعتْهُ النحْلُ لمْ يرْجُ لسْعها ** وخالفها في بيْتِ نوبٍ عواسِلِ

{وقدْ خلقكُمْ أطْوارا}
وقال: {وقدْ خلقكُمْ أطْوارا} طورا علقة وطورا مُضّغة.
{وجعل الْقمر فِيهِنّ نُورا وجعل الشّمْس سِراجا}
وقال: {وجعل الْقمر فِيهِنّ نُورا} وانما هو- والله أعلم- على كلام العرب، وانما القمر في السماء الدنيا فيما ذكر [178] كما تقول: (أتيْتُ بني تمِيم) وانما اتيت بعضهم.
{واللّهُ أنبتكُمْ مِّن الأرْضِ نباتا}
وقال: {واللّهُ أنبتكُمْ مِّن الأرْضِ نباتا} فجعل (النّبات) المصدر، والمصدر (الإِنْبات) لأن هذا يدل على المعنى.
{لِّتسْلُكُواْ مِنْها سُبُلا فِجاجا}
وقال: {سُبُلا فِجاجا} واحدها (الفجُّ) وهو الطريق.
{وقدْ أضلُّواْ كثِيرا ولا تزِدِ الظّالِمِين إِلاّ ضلالا}
وقال: {ولا تزِدِ الظّالِمِين} لأن ذا من قول نوح دعاء عليهم. اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة نوح:
13- {ما لكُمْ لا ترْجُون لِلّهِ وقارا}؟! أي لا تخافون له عظمة.
14- {وقدْ خلقكُمْ أطْوارا} أي ضروبا، يقال: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما.
ويقال: بل أراد اختلاف الأخلاق والمناظر.
22- {ومكرُوا مكْرا كُبّارا} أي كبيرا. يقال: كبير وكبار وكبّار، كما يقال: طويل وطوال وطوّال.
23- و(ود) صنم. ومنه كانت تسمى: العرب عبد ود.
وكذلك: يغُوث. ومنه سمي: عبد يغوث.
و(سواع) ويعُوق و(نسر) كلها: أصنام كانت لقوم نوح عليه السلام، ثم صارت في قبائل العرب.
وأخرج البخاري عن عطاء عن ابن عباس قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ودّ كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ وأما يعوق فكانت لهمذان وأما نسر فكانت لحمير.
{مِمّا خطِيئاتِهِمْ} أي من خطيئاتهم، و(ما) زائدة.
26- {ديّارا} أي أحدا. ويقال: ما بالمنازل ديار، أي ما بها أحد. وهو من (الدار)، أي ليس بها نازل دار.
28- {إِلّا تبارا} أي إلا هلاكا. ومنه قوله: {وكُلّا تبّرْنا تتْبِيرا} [الفرقان: 39]. اهـ.

.قال الغزنوي:

ومن سورة نوح عليه السلام:
4 {ويُؤخِّرْكُمْ إِلى أجلٍ مُسمّى}: في الدنيا.
{إِنّ أجل اللّهِ إِذا جاء}: أي: يوم القيامة.
7 {واسْتغْشوْا ثِيابهُمْ}: تغطّوا بها لا ننظر إليك ولا نسمع منك.
8 {ثُمّ إِنِّي دعوْتُهُمْ}: دعاهم فوضى وفرادى وجهرا وسرا.
10 {فقُلْتُ اسْتغْفِرُوا}: قحط النّاس على عهد عمر، فصعد المنبر ليستسقي فلم يزد على الاستغفار، فلمّا نزل، قيل: يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي بها يستنزل القطر، ثم قرأ هذه الآية.
14 {أطْوارا}: تارات وأحوالا نطفة، ثم علقة، ثمّ مضغة، ثمّ رضيعا، ثمّ طفلا، ثمّ يافعا، ثم شابا، ثمّ شيخا، ثمّ همّا، ثم فانيا.
{وجعل الْقمر فِيهِنّ نُورا}: أحد وجهيه يضيء الأرض، والثّاني السّماء.
16 {وجعل الشّمْس سِراجا}: فيه إشارة إلى أنّ نور القمر من الشّمس، فالشّمس سراج والقمر نور.
17 {أنْبتكُمْ مِن الْأرْضِ}: جعل أصلكم من الطّين وغذّاكم بنباتها.
26 {ديّارا}: أحدا يدور في الأرض، (فيعال) من (الدّوران).
28 {ولِمنْ دخل بيْتِي}: سفينتي. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة نوح:
عدد 21- 71 – 77.
نزلت بمكة بعد سورة النحل.
وهي ثمان وعشرون آية، ومثلها في الآي سورة التحريم فقط.
ومائتان وأربع وعشرون كلمة.
... وتسعة وتسعون حرفا.
لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ
قال تعالى: {إِنّا أرْسلْنا نُوحا إِلى قوْمِهِ} وقلنا له {أنْ أنْذِرْ قوْمك مِنْ قبْلِ أنْ يأْتِيهُمْ عذابٌ ألِيمٌ 1} وهو الغرق العام في الدنيا والعذاب الفظيع في الآخرة وهو أخزى وآلم من عذاب الدنيا، وتقدم نسب سيدنا نوح مع قصته وقومه في الآية 37 من سورة هود المارة، {قال يا قوْمِ إِنِّي لكُمْ} من اللّه {نذِيرٌ مُبِينٌ} 2 لا أخفي عليكم شيئا مما أرسلني به إليكم وأول ما آمركم به هو {أنِ اعْبُدُوا اللّه واتّقُوهُ وأطِيعُونِ} 3 فيما أرشدكم إليه فإن فعلتم ما أنصح به إليكم {يغْفِرْ لكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} السابقة التي بينكم وبينه، أما الحقوق التي بينكم فعليكم أن تؤدوها لمستحقيها، لأن الإيمان لا يسقطها، إلا أن تسامحوا بينكم، وإلا فتعاقبوا عليها وتؤاخذوا بها، ولهذا المغزى قال تعالى: {مِنْ ذُنُوبِكُمْ} أي بعضها ولم يقل ذنوبكم، لما فيه من الشمول بحقوق الناس، على أنه إذا شاء فإنه يرضي خصومكم ويتوب عليكم {ويُؤخِّرْكُمْ إِلى أجلٍ مُسمّى} عنده لم يطلع أحدا عليه ومن رحمته بكم أن أمهلكم ولم يجعل عقوبتكم كي ترجعوا إليه قبل حلوله {إِنّ أجل اللّهِ إِذا جاء لا يُؤخّرُ} أبدا عن وقته، لأن العذاب والموت لهما أجلان عند اللّه لا ينزلهما بعباده إلا بانقضائهما {لوْ كُنْتُمْ تعْلمُون} 4 حقيقة ما أقوله لكم وعاقبته لسارعتم لما آمركم به ولقبلتموه نوا، ولكنكم لستم من أهل العلم لتفقهوا نفع ما جئتكم به، ولا يقال كيف يقول يؤخركم، ثم قال إذا جاء لا يؤخر، لأن اللّه تعالى قضى في سابق علمه أن قوم نوح إذا آمنوا يعمرون ألف سنة، وإن بقوا على كفرهم أهلكوا قبل ذلك، فقال لهم رسولهم آمنوا يؤخركم إلى وقت سماه لكم تنتهون إليه، وهو الأطول، ثم أخبر أنه إذا جاء ذلك الأجل لا يؤخر كما يؤخر هذا الوقت الأقل لأنه بني على سبب وهو معلق على وجوده، وذلك مبرم، وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية الثانية من سورة الأنعام المارة فراجعه.
ولا شك أنهم لو أطاعوه لعمرهم اللّه كما عمر أهل السفينة الذي يشير إليه قوله: {يؤخركم} ولكنهم لمّا أصروا على كفرهم عجل لهم العذاب {قال} نوح عليه السلام على طريق الاعتذار والتقدم بأنه قام بواجبه لحضرة ربه أمام قومه بعد أن رأى نفرتهم عن الإيمان وعدم قبولهم النصح، صار يشكوهم إلى ربه {ربِّ إِنِّي دعوْتُ قوْمِي ليْلا ونهارا} 5 دائما مستمرا دائبا في دعوتهم إليك {فلمْ يزِدْهُمْ دُعائِي إِلّا فِرارا} 6 مني وإدبارا عني ونفارا من الإيمان بك {وإِنِّي كُلّما دعوْتُهُمْ} منذ أمرتني حتى الآن {لِتغْفِر لهُمْ} ذنوبهم في المدة التي أمهلتهم بها {جعلُوا أصابِعهُمْ فِي آذانِهِمْ} لئلا يسمعوا دعوتي وتذكيري بك {واسْتغْشوْا ثِيابهُمْ} لئلا يروني {وأصرُّوا} على كفرهم {واسْتكْبرُوا} عن الإيمان وأنفوا من الطاعة {اسْتِكْبارا} 7 تعاظما وتطاولا علي وهوانا بي واستخفافا بما جئتهم به من لدنك، حتى انهم كرهوا رؤيتي {ثُمّ إِنِّي دعوْتُهُمْ جِهارا} 8 بأعلى صوتي في محافلهم وطرقهم ومجتمعاتهم وحدانا وجماعة {ثُمّ إِنِّي أعْلنْتُ لهُمْ} بدعوتي هذه على ملأ منهم {وأسْررْتُ لهُمْ إِسْرارا} 8 فيما بيني وبينهم إذ لم أترك طريقا من طرق الإرشاد والنصح إلا سلكته معهم ودعوتهم به {فقُلْتُ} في تلك الحالات كلها {اسْتغْفِرُوا ربّكُمْ} من كفركم ومن ظلم بعضكم {إِنّهُ كان غفّارا} 10 عظيم المغفرة كبير العفو لا يؤاخذ على ما سبق، لأن الإيمان به يجبّ ما قبله فإن أجبتم فإنه بمحض كرمه وفيض جوده{يُرْسِلِ السّماء عليْكُمْ مِدْرارا} 11 كثيرا يزيل ما حلّ بكم من الجدب، ومفعال يستوي فيه المذكر والمؤنث، وذلك أنه حبس عنهم الغيث وأعقم أرحام نسائهم مدة أربعين سنة لعدم إجابتهم دعوة نبيهم، ولهذا قال لهم ذلك بإلهام من اللّه تعالى وثقة به أن يفعل لهم ما يقوله، والمراد بالسماء السحاب أو المطر، قال الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم ** رعيناه وإن كانوا غضابا

وقال لهم أيضا {ويُمْدِدْكُمْ بِأمْوالٍ وبنِين ويجْعلْ لكُمْ جنّاتٍ ويجْعلْ لكُمْ أنْهارا}
12 فيها بأن يعطيكم من الخيرات أكثر مما كنتم عليه قبلا، وقال لهم هذا ليحركهم على الإيمان ويرغبهم بما يحدث عنه، لأنهم كانوا يحبون الأموال والأولاد فأتاهم من حيث تميل إليه نفوسهم وطبعهم، روي عن الربيع بن صبيح أن رجلا أتى الحسن البصري (واعلم أنه كلما أطلق لفظ الحسن فقط فالمراد به هذا) فشكا إليه الجدب، فقال استغفر اللّه، وشكا إليه آخر الفقر، فقال استغفر اللّه، وشكا إليه آخر قلة النسل فقال استغفر اللّه، وشكا له آخر قلة ربيع أرضه فأمرهم كلهم بالاستغفار، فقال له الربيع أتاك رجال يشكون أمورا متباينة فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فيكون دواء واحد لعلل مختلفة، فقال ما قلت من نفسي إنما اعتبرت قول اللّه عز وجل حكاية عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه {استغفروا ربكم} الآية.
ولما رآهم عليه السلام لا يلتفتون إليه ولا يصغون لهديه هددهم بما حكاه اللّه عنه بقوله: {ما لكُمْ} يا قوم أي شيء جرى لكم وما شأنكم ولم {لا ترْجُون لِلّهِ وقارا} 13 فلا تعتقدون عظمته ولا تقدرون هيبته؟ والوقار معنى السكون والحلم، وجاء هنا بمعنى العظمة والجبروت، لأنه يتسبب عنها في الأغلب، وعليه يكون المعنى لما ذا لا تأملون للّه تعظيما موجبا للإيمان به والطاعة إليه، ومن قال إن رجا بمعنى خاف واستدل بقول الهذلي: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها، غير سديد، لأن الرجاء ضد الخوف في اللغة المتواترة الظاهرة والقول به يوجب ترجيح رواية الآحاد على التواتر، وهو غير جائز لإمكان التوسع بالألفاظ وجعل المثبت منفيا وبالعكس، وهذه الطريقة لا تسلك في الألفاظ القرآنية قطعا.